حياته
كان شاعراً وكاتباً فلسطينياً، ولد توفيق زياد في مدينة الناصرة عام 1932 وتوفي في 5 تموز 1994 بحادث طرق مروع وهو في طريقه لاستقبال ياسر عرفات عائداً إلى أريحا بعد اتفاقيات أوسلو، شغل منصب رئاسة بلدية الناصرة حتى وفاته.
درس أولاً في الناصرة ثم ذهب إلى موسكو ليدرس الأدب السوفييتي. شارك طيلة السنوات التي عاشها في حياة الفلسطينيين السياسية داخل الأرض المحتلة، وناضل من أجل حقوق شعبه. كان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكاح، وأصبح عضواً في الكنيست الإسرائيلي لأكثر من دورة انتخابية ممثلاً عن حزب راكاح، كما كان لفترة طويلة وإلى يوم وفاته رئيساً لبلدية الناصرة. إضافة إلى ترجماته من الأدب الروسي وأعمال الشاعر التركي ناظم حكمت، أصدر توفيق زياد عدداً من المجموعات الشعرية من بينها: "أشد على أياديكم (1966)؛ التي تعد علامة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني ضد إسرائيل. تتضمن المجموعة المذكورة عدداً من القصائد التي تدور حول البسالة والمقاومة، وبعض هذه القصائد تحوّلت إلى أغان وأصبحت جزءاً من التراث الحي لأغاني المقاومة الفلسطينية.
لعب توفيق زياد دورا مهما في إضراب أحداث يوم الأرض في 30 مارس 1975، حيث تظاهر ألوف من العرب من فلسطيني ال 48 ضد مصادرة الأراضي وتهويد الجليل.
محاولة اغتياله
لقد ظل زياد مستهدفا من السلطة طيلة حياته, لقد رؤوا فيه واحدا من الرموز الأساسية لصمود الشعب الفلسطيني وتصديه لسياسة الحكومة وممارساتها. عدد الاعتداءات التي تعرض لها بيته, حتى وهو عضو كنيست ورئيس بلدية, لا يحصى. وفي كل يوم اضراب عام للجماهير العربية هاجموا بيته بالذات وعاثوا فيه خرابا واعتدوا على من فيه. قصته في يوم الأرض معروفة فعندما حاولت الحكومة افشال اضراب يوم الأرض 30 اذار 1976 الذي قررته لجنة الدفاع عن الاراضي. لكنه اثبت لهم ان القرار قرار الشعب والشعب اعلن الاضراب ونجح وكان شاملا فنظمت السلطة اعتداءاتها وقتلت الشباب الستة وجرحت المئات وهاجمت بيت توفيق زياد; "سمعت الضابط باذني وهو يامر رجاله طوقوا البيت واحرقوه" تقول زوجة توفيق زياد.
يتكرر الاعتداء في اضراب صبرا وشاتيلا 1982 وفي اضراب سنة 1990 وفي اضراب مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994 وفي مرات كثيرة اصيب افراد عائلته وضيوفه بالجراح جراء الاعتداءات. وكانوا ينفذون الاعتداء وهم يبحثون عن توفيق زياد شخصيا. حتى في الاضراب 1994 وتوفيق زياد يقود كتلة الجبهة البرلمانية في الجسم المانع الذي بدونه ماكانت تقوم حكومة رابين، اطلقت الشرطة قنبلة غاز عليه وهو في ساحة الدار. غير ان ابشع الاعتداءات كان في ايار 1977 قبيل انتخابات الكنيست إذ جرت محاولة اغتياله, ونجا منها باعجوبة حتى اليوم لم تكشف الشرطة عن الفاعلين لكن توفيق زياد عرفهم واجتمع بهم واخبروه عن الخطة وتفاصيلها وكيف نفذوها.
توفيق زياد العظيم
هو واحد من رجالات فلسطين الذين عاشوا في القرن العشرين وتركوا بصماتهم واضحة عليه. وهو صاحب الأسلوب السهل الممتنع في الحياة، المتدفق صدقاً وحيوية وانسجاماً مع النفس، ومع المبادئ التي آمن بها وتشكل منها وبها وعيه الفكري والسياسي، فأصبحت تدل عليه مثلما أصبح يدل عليها، في كل تصرف من تصرفاته أو موقف من مواقفه، ولعل في هذا ما يشير إلى تميز توفيق زياد وفرادته.
كان توفيق زياد صانع الأفعال الإنسانية البسيطة، التي يتشكل من انتظامها اليومي المثابر على مدى سنوات طويلة، تراث غني من القيم. كان توفيق زياد شجاعاً من دون ادعاء أو تفاخر، كان حزبياً مثابراً وسياسياً بارزاً في زمن صعب، كان وطنياً مخلصاً وأممياً واسع الأفق، كان مثقفاً عضوياً وشاعراً ملتزماً، يكتب شعراً محرضاً للجماهير في زمن تكميم الأفواه، كان محباً للناس من دون تكلف أو محاباة، وكان ساخراً دائم المرح محباً للحياة.
تجسدت في مسيرة توفيق زياد التي قطعها موته المفاجئ قبل الأوان، خلاصات أفكار نيرة ومواقف كفاحية عزّ نظيرها. كان أبو الأمين قد عايش النكبة الكبرى التي أصابت الشعب الفلسطيني العام 1948 ، وقد شكلت هذه النكبة، بما سببته من عذابات للناس ومن عسف وتشريد، باعثاً رئيساً من بواعث تصميمه على النضال، كما شكلت الممارسات القمعية الإسرائيلية، التي أعقبت النكبة مباشرة وطالت الجزء المتبقي من الشعب الفلسطيني في وطنه، باعثاً آخر على مواصلة النضال. كان أبو الأمين، شأنه في ذلك شأن رفاقه في الحزب، مسلحاً بالعزم وبالثقة في المستقبل، وقد استلهم ذلك من المبادئ التي آمن بها، ومن انتصارات الاتحاد السوفياتي والحلفاء على النظام الهتلري التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية، وكذلك من انتصارات الحركات الوطنية المعادية للاستعمار إبان حقبة الخمسينيات من القرن الماضي التي شهدتها بعض البلدان العربية ومنها مصر على وجه التحديد. كانت لدى أبي الأمين قناعة راسخة بأن إرادة الشعوب لا يمكن أن تقهر، وبأنها قادرة على تحقيق النصر على الغزاة والمعتدين، مهما تعقدت الظروف وغلت التضحيات.
ولم يكن الإنتماء السياسي والعمل الحزبي نزهة مريحة في الخمسينيات. كان حكام إسرائيل يحكمون الخناق على النشاط السياسي والثقافي للأقلية العربية الفلسطينية التي بقيت فوق أرض الوطن، بهدف تبديد هويتها الوطنية وتحويلها إلى طوائف هامشية بلا ملامح قومية محددة. غير أن النشاط المثابر، في أوساط الأقلية العربية تحديداً وفي كل أنحاء البلاد بوجه عام، الذي خاضه الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بمن فيه من منتسبين يهود وعرب، وقوى قومية عربية أخرى، أدى بعد سلسلة متصلة من المعارك الجماهيرية ومن النضالات السياسية اليومية، عبر صحيفة الحزب ومجلاته وعبر المنابر الأخرى المتاحة له، إلى حماية الهوية الوطنية من التبديد، وإلى بعث الثقافة الوطنية التي دخلت بدورها، معركة الحفاظ على الأرض من النهب والتهويد، وتعزيز الهوية وصيانتها من الطمس والتذويب. ولقد كان توفيق زياد حاضراً بقوة في كل هذه المعارك والنضالات، كونه الابن الوفي للشعب والعضو النشيط في الحزب، وأحد قادته البارزين في ما بعد.
كان لتوفيق زياد نشاط بارز متصل، وكان مستعداً لتحمل التضحية في سبيل أهدافه التي آمن بها، ولم يكن هياباً وهو يخوض النضال. كان ثمة في ذهنه نماذج مكافحة من تاريخ شعبه وأمته، ومن تاريخ الحركة الشيوعية على امتداد العالم، تلهمه الكفاح وتمده بالشجاعة وبالصلابة لمقارعة الجلادين، داخل السجون وخارجها، وفي كل موقع يتطلبه الكفاح سواء بسواء.
قدم توفيق زياد للنضال من أجل الأرض، ومن أجل الحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الشيء الكثير. وكرس شعره للذود عن القضية التي آمن بها، وجعله شعراً مباشراً لكنه صادق وحميم، خارج من رحم التجربة مشتق من لغة الناس وهمومهم، متابع لكل انتصار تحرزه الشعوب على امتداد الوطن العربي أو العالم أجمع، يتغنى بالانتصارات، مثلما يقوم بفضح الجرائم التي ترتكب بحق شعبه أو غيره من الشعوب، وفي كل ذلك، يكتب شعراً عابقاً بالتفاؤل محتشداً بقوة العواطف الإنسانية الطامحة إلى حياة نظيفة شريفة عادلة.
كانت بساطة توفيق زياد ونزعته الإنسانية الصافية تسبقه في كل تصرف من تصرفاته وفي كل موقف من مواقفه. كان الرجل مجبولاً على حب الناس والرغبة العارمة في خدمتهم والشعور معهم، يفرح إذا فرحوا ويحزن إذا حزنوا. لا يخاطب الناس من علٍ، ولا ينصب من نفسه معلماً للقيم ودروس النضال وأنماط السلوك الصحيح. كان توفيق زياد بسلوكه ومواقفه ونضالاته يعطي المثل الحي من دون حاجة إلى تكلف أو افتعال أو وعظ أو إرشاد. كان يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها، لكي يشارك في مظاهرة أو مسيرة أو اعتصام، احتجاجاً على مصادرة الأرض، أو تضامناً مع المعتقلين في السجون. أو لكي يشارك في جنازة شهيد، أو لكي يهنئ سجيناً تحرر من ظلام السجون، أو لكي يحتفي بعائد إلى وطنه بعد طول إبعاد وغياب. كان أبو الأمين محباً للتواصل مع الناس، وكان قدوة حسنة ومثالاً حياً لصاحب المبادئ الذي يغني مبادئه بما يضخ في عروقها من جهد إنساني صادق لا يعرف التعالي على الناس ولا الانعزال عنهم. كان يفهم المبادئ باعتبارها وسيلة لفهم الواقع، ولم يتعامل معها باعتبارها قوالب ينبغي أن يحشر الواقع داخلها حشراً من دون تبصر أو استبصار. لذلك كله كان الرجل محبوباً من الناس، وكان له ذاك الأسلوب السهل الممتنع في التعاطي مع الحياة.
ولأنه كذلك، فقد كان من الطبيعي أن يكون صاحب روح مرحة، محباً للنكتة ميالاً إلى السخرية العذبة التي تدلل على ذكائه وعلى حبه للحياة. كان حضوره عذباً في كل موقع أو مكان حل فيه، يضفي على جو الاجتماعات وعلى جلسات السمر رونقاً وبهجة، وكان حديثه الذي يمزج بين الجد والهزل لا يدع مجالاً للملل أو للسأم. يتحدث جاداً حينما يتطلب الأمر ذلك، لكنه لا يلبث أن يفجر الموقف بنكتة بارعة أو قفشة ذكية أو مزاح ظريف، يجعله قريباً من قلوب الذين يجالسونه أو يستمعون إليه.
التقيت توفيق زياد أول مرة العام 1980 أثناء انعقاد مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني في بروكسل. وكنت حتى ذلك الوقت قد سمعت الكثير عن نضالات أبي الأمين ومواقفه المبدئية المتسمة بالصدق والشجاعة. جاء أبو الأمين يومها من الناصرة وجئت أنا من عمان، التقينا في بروكسل، وكنت سعيداً بلقائي مناضلاً بارزاً له شأنه في السياسة وفي الأدب. شكرته بالرغم من مرور خمس سنوات على المقدمة التي كتبها لمجموعتي القصصية الأولى "خبز الآخرين" التي صدرت عن منشورات صلاح الدين بالقدس، وكنت آنذاك في سجن كفار يونا، الذي أبعدتُ منه بعد ذلك بعيداً عن الوطن.
أعماله الأدبية
لتوفيق زيّاد العديد من الإعمال الأدبية من أشهرها "أشد على أياديكم" المنشورة عام 1966، كما قام بترجمة عدد من الأعمال من الأدب الروسي ومن أعمال الشاعر التركي ناظم حكمت.
أعماله الشعرية
1. أشدّ على أياديكم (مطبعة الاتحاد، حيفا، 1966م).
2. أدفنوا موتاكم وانهضوا (دار العودة، بيروت، 1969م).
3. أغنيات الثورة والغضب (بيروت، 1969م).
4. أم درمان المنجل والسيف والنغم (دار العودة، بيروت، 1970م).
5. شيوعيون (دار العودة، بيروت، 1970م).
6. كلمات مقاتلة (دار الجليل للطباعة والنشر، عكا، 1970م).
7. عمان في أيلول (مطبعة الاتحاد، حيفا، 1971م).
8. تَهليلة الموت والشهادة (دار العودة، بيروت، 1972م).
9. سجناء الحرية وقصائد أخرى ممنوعة (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1973م).
10. السّكر المُر
11. بأسناني
أعماله الأخرى
1. عن الأدب الشعبي الفلسطيني / دراسة (دار العودة، بيروت، 1970م).
2. نصراوي في الساحة الحمراء / يوميات (مطبعة النهضة، الناصرة، 1973م.
3. صور من الأدب الشعبي الفلسطيني / دراسة (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1974م).
4. حال الدنيا / حكايات فولكلورية (دار الحرية، الناصرة، 1975م).
قطوف من قصائده
جسر العودة
أحبائي !!
برمش العين
أفرش درب عودتكم ،
برمش العين .
وأحضن جرحكم ،
وألُمّ شوك الدّرب ،
بالجفنين .
وبالكفين ، سأبني جسر عودتكم ،
على الشطّين
أطحن صخرة الصّوان ،
بالكفين .
ومن لحمي ..
أناديكم
أناديكم
أشد على أياديكم..
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب أعطيكم
فمأساتي التي أحيا
نصيبي من مآسيكم.
أناديكم
أشد على أياديكم..
أنا ما هنت في وطني ولا صغرت أكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيما، عاريا، حافي
حملت دمي على كفي
وما نكست أعلامي
وصنت العشب الأخضر فوق قبور أسلافي
أناديكم... أشد على أياديكم!!
المراجع:
- موسوعة كتّاب فلسطين في القرن العشرين.
- أعلام من أرض السلام، عرفان سعيد الهواري، مطبعة الشرق، شفا عمرو (فلسطين المحتلة) 1979م.
- الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال (1948 – 1968م)، غسان كنفاني، مؤسسة الدراسات العربية، بيروت، 1968م.
- الأعمال الشعرية الكاملة، توفيق زيّاد، دار العودة، بيروت، 1971م.